بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك المعبود، الغفور الودود، وأصلي وأسلم على نبينا محمد إمامنا في طريقنا إلى النصر المنشود.
أما بعد: فإنه لما كان التفكير السليم والسديد الطريق إلى العمل المنتج والفعال، كان لزاما على كل مسلم وخاصة من يحمل همَّ دينه وأمته أن يكون تفكيره منطلقا من ركائز ومبادئ الإسلام بعيدا عن الواقع المتردي الذي نعيشه بحيث يكون تفكيره خارج الصندوق كما يُقَال، دون أن يؤدي ذلك لمخالفة ديننا وشرعتنا.
ونحن أحوج ما نكون للعمل بما سبق ذكره في هذه الأيام مع انحطاط مستوى التفكير في مجتمعاتنا، حيث نرى كثيرا من الناس تجعل واقعنا مصدرا للتفكير، ومن أوضح آثار هذا التفكير: الدعاوى التي نسمعها هذه الأيام بضرورة انشغالنا بشؤوننا الداخلية والمحلية فقط، وأن الاهتمام بقضايا غيرنا ممن نشترك معهم في الدين والمعتقد ضرب من العبث لا أكثر.
ومنشأ هذه الدعاوى إنما هو من كثرة الأزمات والمشاكل التي نعيشها، ومن التفرق والضعف الذان أصابانا، ومن عجزنا عن تغيير واقعنا كأمة إسلامية.
وهذه الدعاوى أتفه من أن نشغل أنفسنا بكثرة الرد عليها، لكننا نكتفي بالإشارة إلى ما يدحضها من مبادئ الإسلام وحقائقه، فمن ذلك قول رب العزة-جل جلاله:{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}[الأنبياء،91 ]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى "[أخرجه مسلم،2586].
ولكن إذا أعملنا الفكر من زاوية أخرى في مبادئ الإسلام من جهة، وفي واقعنا من جهة أخرى تتكشف لنا أمور تستحق التوقف عندها والاعتبار.
إن أصوات المطالبين بترك قضايا الأمة تستند إلى أن مشاكلنا وأزماتنا هي المبرر للتخاذل وعدم الاهتمام بشؤون أمتنا، لكن الناظر إلى الأمر يتبين له أن كثرة الأزمات والمشاكل هي نتيجة طبيعية للابتعاد عن ديننا، ومن أبرز مظاهر ابتعادنا عن ديننا: تخاذلنا وعدم اهتمامنا بشؤون أمتنا، فالتخاذل كان جالبا لعقوبة رب العباد لنا، وهي ما نعيشه من أوضاع صعبة ومقلقة، ويشهد لهذا قول النبي-صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيدِه لتَأمرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عن المنكرِ أوليُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبعثَ عليكمْ عقابًا منهُ فتدعونهُ فلا يَستجيبُ لكمْ"[أخرجه الترمذي، 2169].
ومن هنا يتبين لنا تهافت قول من ينادون فينا بالانشغال بأمورنا فقط وترك غيرنا من إخوتنا في الدين يرزخون تحت القصف والحرب والاعتداء.
وهذه الدعاوى نسمعها كلما حلت ببلد مسلم مصيبة وتداعى البعض لنصرتهم قدر المستطاع، وتزداد ضجة هذه الدعاوى عندما يحدث أمر في فلسطين، وذلك لحساسية قضية فلسطين وخصوصية بعدها العقدي، وهذا ما يحتم علينا دائما أن نكون يقظين لهذه الدعاوى وانتشارها بيننا وأثرها السلبي فينا.
ولعل من أكثر ما يزيد انتشار هذه الادعاءات بيننا: شعورنا بالعجز وعدم يقيننا بنصر الله إن تمسكنا بدينه وشرعته، ومرد هذا-كما سبق-لجعل الواقع المتردي مصدرا للتفكير وعدم ارتباطنا الوثيق بمبادئ الإسلام.
ويكفي هنا الإشارة لبعض النصوص التي تبشرنا بأن الغلبة لنا إن اتبعنا ديننا، فمن ذلك قول الله-تعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران، 139]، وقوله-عز وجل:{وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}[النور،53 ]، ومنها قول النبي-صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ زوَى لي الأرضَ حتَّى رأيتُ مشارقَها ومغاربَها وأعطَى لي الكنزَينِ الأحمرَ والأبيضَ وإن مُلكَ أمَّتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها "[أخرجه السخاوي في البلدانيات، 105].
ولا شك أن النصر لن يأتينا ونحن على الفرش نائمون، بل النصر نأتي إليه ولا يأتي إلينا، ولذلك علينا العمل دائما لقضايا أمتنا عموما وفلسطين خصوصا بالسبل المتاحة.
نسأل الله أن يجعلنا من العاملين للإسلام والخادمين للأمة، إنه سميع قريب مجيب.
والحمد لله في البدء والختام.
عزام بحر
الأحد 9.محرم.1444ه
7.آب-أغسطس.2022م
تاجوراء-ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق