وحدثني عن مشهد فيه، كان بطل المسلسل على سرير المستشفى وحوله عائلته حزينة تبكي، فقال لهم:لا تحزنوا أنا معكم وبجانبكم، لم يصبني شيء وأنا معافى، ثم أزاح الغطاء عن قدميه فوجد إحداهما مبتورة
يحدثني صديقي عن المشهد قائلا أنه أحزنه وأبكاه.
عندما حدثني عن الأمر لم أهتم له كثيرا، ولكن بعدما تأملت فيه وجدت الأمر أبعد من أن يكون مجرد تأثر بمشهد درامي، وأخطر من أن يكون مشاعر جياشة تملكت صاحبنا عند مشاهدته المسلسل، كلا، بل إن الأمر هام وهام جدا.
لقد بكى صاحبنا وتأثر بهذا المشهد الخيالي، ولكن هل بكى أو تأثر أو حَزُنَ لأحوال المسلمين في بقاع العالم؟
والمشكلة لا تتمثل في صديقي هذا فقط، بل هي ظاهرة حسب ظني، لهذا أرى أنها تستحق التوقف والمعالجة.
يبكي اليوم شبابنا على موت شخص في أحد الأفلام أو المسلسلات، ولكنهم لا يبكون على موت عشرات أو مئات من البسطاء المدنيين وغالبهم من المسلمين، لا يبكون على موتهم لأنهم لا يدرون عنهم أصلا.
يبكون على مشاهد لأطفال يبكون في خضم المشاكل التي هي أصلا من خيال الكاتب، ولا يبكون على أطفال لم يجدوا دموعا يبكون بها في واقع مرير.
يبكون على شاب فقد حلمه في الفيلم أو المسلسل، ولا يبكون على شباب هم أيضا جزء منهم، فقدوا أحلامهم ومستقبلهم وسط هذه الحروب والصراعات التي تدمر بلداننا.
يبكون على شخص تخيل الكاتب أنه فقد، فجعل خياله دراما، ولا يبكون على مئات فقدوا ولا يعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة.
يبكون على رجل دخل السجن إثر قضية جنائية في المسلسل، ولا يبكون على مئات السجناء المظلومين في دولنا، من سياسيين وصحفيين وحقوقيين ودعاة وفقهاء وعلماء.
يبكون على مشهد افتراق رجل عن صديقته أو حبيبته، ولا يبكون على افتراق مئات الرجال عن زوجاتهم وأبنائهم بسبب الأوضاع المأساوية التي نعيشها.
ولهذا يتبادر إلى الذهن السؤال المعتاد:ما هي المشكلة؟ أرى أن المشكلة تتمثل في محاولة الشباب الهروب من الواقع المرير الذي تعيشه مجتمعاتنا سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا، ولكن هذا أدى إلى الانفصام إلى حد كبير عن الواقع.
ولا أقصد بكلامي هذا الغرق في المشاكل والأزمات والتوجه نحو الواقعية السلبية، بل أريد من الشباب أن يكونوا على دراية بمشاكل مجتمعاتهم والعمل على إصلاحها.
وقد يفهم البعض من انتقادي لحزن الشباب على مشاهد الأفلام أني أريد منهم إماتة الضمير وقسوة القلب، كلا، بل أطلب منهم أن لا يكونوا عاطفيين بإفراط، وأن يعرفوا أين يوجهوا دموعهم حتى لا تضيعهم.
وقد يفهم البعض الآخر من كلامي أني أطالبهم بالبكاء والحزن على مآسينا والبقاء دون محاولة جادة للتغيير، لكني أريد من الحزن على مآسينا وواقعنا البائس أن يكون حافزا لديهم للإصلاح والتغيير نحو الأفضل بإذن الله.
أسأل الله-عز وجل-أن يوفقنا للتغيير وأن يرزقنا الأمل فيه.
والحمد لله أولا وآخرا.
عزام بحر
حرر يوم الثلاثاء
25.محرم.1441ه
24.أيلول.2019م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق