الأحد، 4 أغسطس 2024

كلمة أبي الوليد خالد مشعل في جنازة أبي العبد إسماعيل هنية - رحمه الله

"دماء الشهداء تختصر الطريق نحو النصر .. عدونا لم يدرك أننا نجيد صناعة الحياة ونجيد صناعة الموت"
كلمة أبي الوليد خالد مشعل - رئيس حركة حماس في الخارج، في جنازة رئيس الحركة الشهيد أبي العبد إسماعيل هنية - رحمه الله



 

الأحد، 10 مارس 2024

ماذا لو … حُذِفَتْ آية؟

[ نشر هذا المقال ابتداء على موقع هيئة علماء فلسطين على الرابط: https://palscholars.org/?p=18107 ]   بِسْـــمِ اللـــهِ الرَّحْمَـــنِ الرَّحِيـــمِ



  الحمد لله الذي جعل ذروة سنام هذا الدين الجهاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام العُبَّاد، وعلى آله وصحبه الذين فتحوا مختلف البلاد وسطروا الأمجاد.
  وسط المشهد التاريخي الذي تُصنع فصوله في فلسطين وغزة طيلة الأشهر الماضية، ما زلنا نرى من يهَوِّنُ من وقع الأحداث هناك، أو لا يبالي بها، ولا يتفاعل معها، ولا تحرك فيه جفنا أو قلبا أو عقلا، بل نرى من يلوم المجاهدين الذين يفعلون الواجب العيني (جهاد الدفع)، وكأنما صاحبنا اللائم هنا فعل كل الواجبات والمندوبات، بينما هو يمارس كبيرة من الكبائر، وهي: التخاذل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ يخذل امرأً مسلما في موضع تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته" [أخرجه أبو داود: 4884]
  إن مثل المخذل الذي يلوك لسانه بـ"انتقاد" المجاهدين على ما فعلوه، كمثل من رأى رجلا أراد أن يصلي صلاة في آخر وقتها الاختياري، فبدل أن يدفع بالمصلي لتدارك الصلاة في الوقت الاختياري، صار يلومه على الصلاة ويقول له: ليس الآن وقت الصلاة، والأمر ليس مناسبا الآن، كيف تفعل ذلك؟
  ولكن، دعونا نتتبع قليلا درب التخاذل وترك نصرة فلسطين، وترك العمل لتطهير المسجد الأقصى والأرض المباركة من الغاصبين، دعونا نتتبع طريق التقاعس عن الجهاد والنضال لتحرير فلسطين، ولننظر معا في النتائج "المثمرة" التي سنجنيها، وإلى أين سنصل باتباع تلك الطريق:
- عليك أولا أن تمحو من ذهنك شيئا اسمه "فلسطين" أو "قضية فلسطين" أو "الشعب الفلسطيني"، فالدولة اسمها "إسرائيل" والشعب هو "الشعب الإسرائيلي" والقضية هي مأساة "الشعب اليهودي" جراء مظلومية "الهولوكوست"، وأما الأقليات التي تعيش على أرض إسرائيل فوطنها الحقيقي قطعا ليست الأرض التي وعد الرب الشعب اليهودي بالعيش فيها، وهذه الأقلية "العربية" هي في الحقيقة "حيوانات"، كما يقول أحد قادة "جيش الدفاع":

                        "نحن نقاتل حيوانات، ونتصرف وفقا لذلك."
                                        يوآف غالانت - وزير الدفاع في حكومة الاحتلال الصهيوني

- لن يكون هناك مكان اسمه "المسجد الأقصى" يُتَعَبَّدُ بالصلاة فيه، بمعنى أنك لن تستطيع امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" [أخرجه مسلم: 3384]، والواقع أن هناك معبدا يسمى "الهيكل" هو حق خالص لليهود، يتعبدون فيه للرب، أما المسلمون فلهم مسجدان في مكة والمدينة المنورة، هذا إن كان اليهود "طَيِّبِين" وتنازلوا عن حقهم في يثرب، لكنهم قطعا لا يتنازلون عن حقهم في "الهيكل"، ومن ظن أن هذا مجرد ادعاء منا فليراجع كلام مسؤوليهم، من ذلك:

  "يجب عقد مجلس الوزراء الأمني على الفور، للنظر في فتح جبل الهيكل أمام اليهود على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مع إمكانية العبادة هناك وما إلى ذلك"
                                            إيتمار بن غفير - وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال

- لن تقوم للمسلمين قائمة في هذا العالم، ولن يكون لهم صوت ولا قوة، وربما لن يكون لهم وجود، فإن كان لهم حظ وظلوا أحياء، فسينالون ما يستحقونه من القتل والتعذيب والتهجير، فهم إرهابيون وخطر على هذا العالم المثالي المليء بالرحمة والعدل ما داموا لا يحكمونه.

- سنرى ازدياد وتمدد مساحة دولة "إسرائيل الكبرى"، وسنرى بطولاتها في السيطرة على البلدان وتحريرها، وربما يقول قائل: سنرى "النكبة المصرية" ومذبحة "اللاذقية" وحصار "عمَّان" و"إقليم غرب الفرات المحتل"، لكن لن يستطيع أحد التَّفوُّه بهذه المصطلحات، فهي تُجَرِّمُ حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وللدولة اليهودية كل الحق في الدفاع عن نفسها، حتى لو اتهمها خصومها "المخربون" بأنها تقتل المدنيين، فالدولة اليهودية الكبرى وعد من الرب لشعبه المختار، ولا بد من تحقيق هذا الوعد:

  "سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات"
                                                                                              التوراة المُحَرَّفَة

- لن تستطيع الجهر بمفاهيم ومصطلحات تناهض الدولة الإسرائيلية وتتضمن معاداة السامية، منها: (الجهاد - المقاومة - الاحتلال - الكيان الصهيوني …) وغيرها الكثير، فمتى رأيت "إرهابيا مخربا" ينطق مصطلحا دخيلا على عقلك الوفي للشعب اليهودي ودولته، فعالم أن هذا المصطلح خطير، واحرض على أن لا تؤمن به وتدعو إليه، وإلا فإن مصيرك سيكون كمصير كل من انشق عن طاعة "ولي الأمر" اليهودي، الذي تجمعنا به الأخوة في معتقدنا "الإبراهيمي"

- وفوق كل ذلك سنكون قد حذفنا آية من القرآن الكريم، وهي قول الله-تعالى: {سُبْحَٰنَ اَ۬لذِے أَسْرَى بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَى اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْأَقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَاۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ} [الإسراء: 1]

  "إذا أراد أحد أن يقول لي تنازل عن القدس كأنه يقول لي احذف من القرآن سورة الإسراء"
                                          رمضان شلح - الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي

  سيسأل البعض: كيف نكون قد حذفنا آية من كتاب الله-تعالى- والله يقول: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ}؟ [الحجر: 9]
  والجواب: أن الحذف إنما يكون بالتنكر لهذه الآية وحذف مقتضاها من عقولنا وأعمالنا والتخلي عن معانيها، وهذا لا شك كبيرة من الكبائر، والأدهى والأَمَرُّ أن نرى من يساوم على هذه الحقائق ليجني مكاسب شخصية، أو ليرضي القوى الكبرى الحاكمة في عالمنا اليوم.
  {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 173]
  وإن النتيجة الحقيقية للسير وراء أجندة الاحتلال وأذنابه ليست حذف آية واحدة فقط، بل حذف القرآن والسنة وكل الإسلام بمبادئه ونصوصه، فهذا العدو يناصبنا العداء في ديننا، وغايته أن نعطي الدنيَّة في عقيدتنا ومقدساتنا.
  {وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّا أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} [البروج: 8]
  وإن هذا الاحتلال لا يطمع فقط في فلسطين، بل يريد إحكام السيطرة على البلاد العربية والإسلامية، بل على كل العالم، ولو تركناه يستمر في إجرامه في غزة وفلسطين فسيأتي الدور على عمَّان والقاهرة وطرابلس والرباط وبغداد، بل والمدينة المنورة، وسائر حواضر الإسلام والمسلمين.
  إن المشهد المخزي الذي ذكرناه وقد نراه واقعا إن قويت شوكة العدو وتركنا مواجهته، هو نزر يسير مما قد يحدث - لا قدر الله - ولا يغرنَّ أحدَنا شعاراتهم وأقنعتهم، فكلها قد سقطت في عدوانهم الوحشي المستمر على شعب فلسطين.
  {لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ} [التوبة: 10]
  وبعد بيان الصورة والواقع، ومعرفة وإدراك مسؤوليتنا وتقصيرنا تجاه فلسطين والمسجد الأقصى، هل سننتظر اكتمال المخطط الصهيوني حتى يبتلعنا ونكون جزءا منه، فنجني الخسران في الدنيا والآخرة؟
  أم أن الوقت قد حان لنتدارك تقصيرنا، فننصر المقدسات والشعب الصامد ومجاهديه، وننتصر لدماء الأطفال والنساء والمسنين والرجال، الدماء الطاهرة الزكية، التي سفكها العدو ويسفكها وسيستمر بسفكها ما لم نقف بقوة في وجهه ونقاومه ونجاهده على كل الجبهات والمستويات.
  وإن من فضل الله - تعالى - على هذا العالم أن فيه من يدافع الباطل ويدفعه، ومنهم هؤلاء المجاهدون على أرض فلسطين، وشعب فلسطين الصامد الثابت الذي يستمر في التضحية إحقاقا لسنة الله في كونه.
  {وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّفَسَدَتِ اِ۬لْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى اَ۬لْعَٰلَمِينَۖ} [البقرة: 249]
  إن أرض فلسطين وشعبها والمسجد الأقصى المبارك يستصرخون فينا الحميَّة على الدين والأمة والعقيدة والمقدسات، فإن أجبنا النداء وانخرطنا في مشروع التحرير والنصرة والجهاد فذلك فضل الله، وهو واجبنا لا نتفضل به، وإن تكاسلنا وتخاذلنا عن تلبية النداء فلن نجني غير الخزي والذل، وليتذكر كل واحد منا أنه سيسأل يوم البعث: ماذا عملت وقدمت لتحرير الأرض المباركة؟ فليحضر كل منا جوابا لهذا السؤال قبل أن يتوفانا الله - تعالى.
  {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪سْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]
  {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اَ۬للَّهِ قَرِيبٞۖ} [البقرة: 212]

                                                                                                      عَـــزَّام بَـــحَــر
                                                                          الاثنين 24 - رجب - 1445ه
                                                                                    5 - فبراير - 2024م


الثلاثاء، 25 أبريل 2023

وسط المعترك.. الشباب في وسائل الإعلام


بسم الله الرحمن الرحيم

  أعلم أني لست خير من يتحدث في هذا الموضوع، وأعلم أنك-أخي القارئ-قد تمل أو تتوه بين هذه الكلمات، لكن آمل أن تتفضل بقراءة المقال إلى آخره، وبعدها لن أطلب منك مدح المقال، فقط أود منك أن تفتح آفاقك في الموضوع وتأخذه بجدية، وتبحث عن التصور السليم تجاهه.

  بعد ظهور منصات الإعلام الجديد وتوفرها في يد كثير من الناس، صار أغلبهم مشاركا في صناعة ما يظهر في هذه المنصات، وهذا ما دفع كُثُراً لاقتحام هذا العالم، وارتقاء سلَّم الظهور عبر هذه المنصات، التي تعتبر جيلا جديدا من وسائل الإعلام.

  ولأن الشباب - في بلدان عالمنا الإسلامي وفي المنطقة العربية - يشكلون شريحة كبرى من السكان، ولأن هذه المنصات وُلِدَتْ معهم تقريبا، كان لهم نصيب وافر من الظهور عبر هذه المنصات، مما شكل ظاهرة حَرَّكَت المياه الراكدة ودفعت بالكثير من الشباب لأن يَتَأَسَّوْا بمن سبقهم في هذا العالم الافتراضي.

  ولم يكن الشباب في هذه المنصات بعيدين عن الواقع وعن المؤثرين فيه، فضلا عن أن يبتعدوا عن عالم الأفكار والحروب الطاحنة التي نراها فيه، وهي التي تمثل المعارك الفاصلة لغيرها، فمن يسيطر على أفكار الناس وعقولها قطعا سيسيطر على الجيوب والأسماع والأبصار والأوقات.

  وعندما يشرع أيُّ شاب في الظهور على هذه الوسائل من الطبيعي أنه سيقدم محتوى ما، حتى لو كان تافها، وغالبا ما سيحدد هذا المحتوى مصير الشاب فكريا وإعلاميا، بمعنى: أن هذا الشاب قد يستمر في هذه الوسائل كما بدأ بجهوده الشخصية، لكن كثيرا ممن برزوا عبر هذه الوسائل تَلَقَّفَتْهُم مؤسسات إعلامية لها خطها الفكري الخاص، وهي ترى في الشباب المؤثر في منصات الإعلام الجديد واجهة رائعة، فاستقدمتهم لأروقتها، وصاروا جزءا منها، وجنودا في جيوشها ليحققوا مآربها وغاياتها.

وإن السيناريو الذي قصصناه في الأسطر السابقة ينطبق على المؤسسات الإعلامية بمختلف أيدولوجياتها، ولأن المؤسسات المتبنية لما يخالف هويتنا كانت سبَّاقة في احتضان الشباب الذين ظهروا في هذه المنصات، صار كثير منهم جزءا من هذه المؤسسات، حيث أصبحوا خادمين لأجندتها.

    ولأن هذه المؤسسات تأخذ حيِّزاً لا بأس به من السيطرة على الإعلام وعلى الرأي العام، فمن يتابع هذا المشهد سيصيبه اليأس من أي تغيير أو سعي لمواجهة التفاهة في الإعلام، وسيدفعه هذا لأن يقول: إن أي صعود أو ظهور إعلامي للشاب سيكون بداية طبيعية لكارثة كبرى يصنعها لنفسه وبنفسه، بحيث تكون الخلاصة: (لا نتعب أنفسنا بمحاولة التغيير وصناعة إعلام مغاير للشباب، فالمحاولات إلى فشل حتمي، والواقع خير دليل).

  على الشاطئ الآخر، وفي رحاب ما يمكن تسميته ب(الإعلام المتديّن) مع التحفظ على هذه التسمية، لأن الأصل في أي مجتمع مسلم أن يكون كل الإعلام فيه متدينا وإسلاميا، يستقي مبادئه من ثوابت ديننا، لكن لمَّا عمَّت البلوى-كما يقول علماؤنا-وصار أغلب الإعلام أسيرا للنموذج الغربي، صرنا مضطرين لأن نطلق على من يحاول صناعة وسط إعلامي مختلف (إعلاما متديّنا).

  الأهم من ذلك، وعودا على ما سبق، فعلى الشاطئ الآخر ظهرت التساؤلات حول البدائل التي ينبغي طرحها في مقابل ما يظهر في الإعلام اليوم مما ينافي قيمنا خصوصا ما يقدمه شباب، وهذه التساؤلات أنتجت محاولات من مؤسسات (الإعلام المتديّن) للظهور بأعمال تنافس ما ينشره الإعلام على الشاطئ التابع للنموذج الغربي، لكن بمحتوى ومضمون ينبع من مبادئنا وهويتنا.

  في وسط هذا المشهد كأني أرى محاولة الجمع هذه لا تخلو من تناقض، فمنافسة تلك المؤسسات في إنتاج أعمال توازي الصنعة الإعلامية والتأثير عندهم سيشوبه استيراد شيء من النموذج الغربي دون تشريح وإدراك لما يحتويه، وهذا سينعكس سلبا على الصورة النهائية للعمل الإعلامي، فهو وإن كان يتبنى قيم المجتمع وهويته، لكن التأثر والتبعية للنموذج الغربي سيظل واضحا في العمل.

  لكن التَّكلف في طرح الموضوع والنَّرْجِسِيَّة في الهروب من النموذج الغربي بشكل يُعْجِزُنَا عن الخروج بعمل يرسخ قيمنا دون التأثر بالقالب الغربي أمر مرفوض، لذا ينبغي أن تكون الموازنة هنا دقيقة بين السعي للاستقلالية عن النموذج الغربي وبين تقدير الواقع وملابساته.

  ومع ظهور المحاولات المغايرة من الإعلام المتدين ظهرت تساؤلات وشكوك حول هذه المحاولات:
-هل هي أعمال بريئة لإظهار صورة مغايرة عن الشباب تختلف عما يصدره الإعلام المتأثر بالنموذج الغربي؟
-أم هي مجرد مسرحية يَحْبِكُ السيناريو فيها قادة الأيدولوجيا لمؤسسات الإعلام المتدين، ويلعب أدوارها شباب لا ناقة لهم في صراع الإعلام ولا جمل؟
-وما مدى نجاح تجربة خروج شباب في قالب غير القالب الشائع عنهم (شباب تافه-لا يبالي بمهمات الأمور والقضايا)؟

  سيقول الكثيرون أن الدخول في هذه الدوامة انعكاس للصورة في الإعلام المتأثر بالغرب، حيث إن غاية ما في الأمر أنه مجرد تجنيد إعلامي لصالح التيار الإسلامي الذي اسْتُهْلِكَتْ إعلاميا وجوهه التقليدية، وصار يبحث عن وجوه شبابية تتبنى أجندته لتقدمها للمجتمع حتى تتم "أَسْلَمَة المجتمع" في قالب شبابي يلقى الرَّوَاجَ والقبول.

  وسيقول آخرون أن الخروج بأعمال إعلامية كهذه هو محاولة فاشلة لتقديم نسخ غربية من البرامج الممتعة للناس في قالب "يلائم خصوصيات المجتمع"، وهذا ما سيظهر لنا أعمالا "مُخَنَّثَة"، لا هي أعمال بنموذج إعلامي غربي، ولا هي أعمال تلتزم كليا بما يتوافق مع مجتمعنا المحافظ التقليدي.

  حَقٌّ لكل هؤلاء أن يتساءلوا، فليس لأحد أن يُحَجِّرَ على العقول ، شرط أن تكون التساؤلات نابعة من نفوس تؤمن بأهمية أن يكون للمسلم دور فعال في المحيط من حوله، وأن يكون باحثا بصدق عن إجابات لهذه الأسئلة، أما أولئك الذين ليس لهم هم إلا التَّشْغيب على من يجتهد في سبيل تقديم الأفضل ويقفون في معسكر من يريدون هدم قيمنا، ثم يتسترون بالحياد والمصداقية، علينا أن لا نلتفت لادعاءاتهم المُثَبِّطَة.

  لكن عدم الالتفات لمن يُشَغِّبُ على الجهود المبذولة لا يعني أن نصم آذاننا عن النصح والتساؤلات، خصوصا أن تجربة الإعلام المتدين في تقديم قالب جديد من الأعمال الشبابية ما زالت حديثة العهد، ولم تنضج بعد، ولذا فإن التحدي هو الإصرار على مُقَارَعَة الإعلام التافه، والسعي للتحسين والتطوير دون تبعية للقالب الغربي في الإعلام، والاستمرار في الابتكار والإبداع، فعقولنا لا تقل إبداعا وذكاء عن عقول من يُسَيِّرُ الإعلام المحارب لهويتنا.

  أما شبابنا الطامحون في الظهور عبر هذه المنصات فأقول لهم: من الجيد أن تؤثروا في من حولكم، خصوصا حينما يكون لكم رصيد معرفي في ما ستتحدثون عنه، لكن تذكروا جيدا أن الظهور إن لم يكن لغاية نبيلة ولغير وجه الله-تعالى-فضريبته ستكون في الدنيا والآخرة، نسأل الله الإخلاص والعفو والعافية.
  ختاما: يجب أن نتمسك بالأمل في استعادة هويتنا والتأثير في مجتمعاتنا، وأن لا ندع اليأس والواقع الأليم يسيطر على عقولنا وقلوبنا.
جعلني الله وإياكم ممن يسعى لنفع من حوله ويترك أثرا طيبا في المجتمع والأمة
والحمد لله في البدء والختام.

عزام البشير محمد بحر
الثلاثاء 29 شعبان 1444ه
21 مارس 2023م 


الخميس، 10 نوفمبر 2022

نحن وفلسطين…من زاوية أخرى



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الملك المعبود، الغفور الودود، وأصلي وأسلم على نبينا محمد إمامنا في طريقنا إلى النصر المنشود.

أما بعد: فإنه لما كان التفكير السليم والسديد الطريق إلى العمل المنتج والفعال، كان لزاما على كل مسلم وخاصة من يحمل همَّ دينه وأمته أن يكون تفكيره منطلقا من ركائز ومبادئ الإسلام بعيدا عن الواقع المتردي الذي نعيشه بحيث يكون تفكيره خارج الصندوق كما يُقَال، دون أن يؤدي ذلك لمخالفة ديننا وشرعتنا.

ونحن أحوج ما نكون للعمل بما سبق ذكره في هذه الأيام مع انحطاط مستوى التفكير في مجتمعاتنا، حيث نرى كثيرا من الناس تجعل واقعنا مصدرا للتفكير، ومن أوضح آثار هذا التفكير: الدعاوى التي نسمعها هذه الأيام بضرورة انشغالنا بشؤوننا الداخلية والمحلية فقط، وأن الاهتمام بقضايا غيرنا ممن نشترك معهم في الدين والمعتقد ضرب من العبث لا أكثر.

ومنشأ هذه الدعاوى إنما هو من كثرة الأزمات والمشاكل التي نعيشها، ومن التفرق والضعف الذان أصابانا، ومن عجزنا عن تغيير واقعنا كأمة إسلامية.

وهذه الدعاوى أتفه من أن نشغل أنفسنا بكثرة الرد عليها، لكننا نكتفي بالإشارة إلى ما يدحضها من مبادئ الإسلام وحقائقه، فمن ذلك قول رب العزة-جل جلاله:{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}[الأنبياء،91 ]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى "[أخرجه مسلم،2586].

ولكن إذا أعملنا الفكر من زاوية أخرى في مبادئ الإسلام من جهة، وفي واقعنا من جهة أخرى تتكشف لنا أمور تستحق التوقف عندها والاعتبار.

إن أصوات المطالبين بترك قضايا الأمة تستند إلى أن مشاكلنا وأزماتنا هي المبرر للتخاذل وعدم الاهتمام بشؤون أمتنا، لكن الناظر إلى الأمر يتبين له أن كثرة الأزمات والمشاكل هي نتيجة طبيعية للابتعاد عن ديننا، ومن أبرز مظاهر ابتعادنا عن ديننا: تخاذلنا وعدم اهتمامنا بشؤون أمتنا، فالتخاذل كان جالبا لعقوبة رب العباد لنا، وهي ما نعيشه من أوضاع صعبة ومقلقة، ويشهد لهذا قول النبي-صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيدِه لتَأمرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عن المنكرِ أوليُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبعثَ عليكمْ عقابًا منهُ فتدعونهُ فلا يَستجيبُ لكمْ"[أخرجه الترمذي، 2169].

ومن هنا يتبين لنا تهافت قول من ينادون فينا بالانشغال بأمورنا فقط وترك غيرنا من إخوتنا في الدين يرزخون تحت القصف والحرب والاعتداء.

وهذه الدعاوى نسمعها كلما حلت ببلد مسلم مصيبة وتداعى البعض لنصرتهم قدر المستطاع، وتزداد ضجة هذه الدعاوى عندما يحدث أمر في فلسطين، وذلك لحساسية قضية فلسطين وخصوصية بعدها العقدي، وهذا ما يحتم علينا دائما أن نكون يقظين لهذه الدعاوى وانتشارها بيننا وأثرها السلبي فينا.

ولعل من أكثر ما يزيد انتشار هذه الادعاءات بيننا: شعورنا بالعجز وعدم يقيننا بنصر الله إن تمسكنا بدينه وشرعته، ومرد هذا-كما سبق-لجعل الواقع المتردي مصدرا للتفكير وعدم ارتباطنا الوثيق بمبادئ الإسلام.

ويكفي هنا الإشارة لبعض النصوص التي تبشرنا بأن الغلبة لنا إن اتبعنا ديننا، فمن ذلك قول الله-تعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران، 139]، وقوله-عز وجل:{وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}[النور،53 ]، ومنها قول النبي-صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ زوَى لي الأرضَ حتَّى رأيتُ مشارقَها ومغاربَها وأعطَى لي الكنزَينِ الأحمرَ والأبيضَ وإن مُلكَ أمَّتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها "[أخرجه السخاوي في البلدانيات، 105].

ولا شك أن النصر لن يأتينا ونحن على الفرش نائمون، بل النصر نأتي إليه ولا يأتي إلينا، ولذلك علينا العمل دائما لقضايا أمتنا عموما وفلسطين خصوصا بالسبل المتاحة.

نسأل الله أن يجعلنا من العاملين للإسلام والخادمين للأمة، إنه سميع قريب مجيب.

والحمد لله في البدء والختام.

عزام بحر

الأحد 9.محرم.1444ه‍ 

7.آب-أغسطس.2022م

تاجوراء-ليبيا


الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

الغزو الفكري...بين العلمنة والأسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتم علينا نعمته، والصلاة والسلام على من أرسله المولى تعالى بكلامه، وعلى أصحابه الكرام وآله.

وبعد:فقد انتشرت اليوم ظاهرتان أساسيتان أو شكلان هامَّان من الغزو الفكري والثقافي في أمتنا الإسلامية ولابد من الحديث عنهما وهما:العلمنة والأسلمة.

أما المقصود بالعلمنة:فهو تفريغ المفاهيم والتصورات الإسلامية من مضمونها ومحتواها الصحيح الإسلامي وإبدال ذلك بالتصور الغربي(العلماني) لها.

وأما الأسلمة: فهي إضفاء شرعية ومسوِّغ إسلامي على تصورات وأعمال غير مقبولة شرعا وبعضها ينقض أصل الدين.

وسبب حديثي عن هاتين الظاهرتين هو كثرة التباسهما على الناس وعدم إدراكهم لخطورة الأمرين.

أما خطورة العلمنة: فهي تتمثل في ظن الناس أن ماهم عليه من الخير هو الإسلام كما يريده رب العالمين، في حين أن المضامين لمَّا بدلّت وصارت غربية هي في كثير من الأحيان لايقبلها الشرع ولم يأت بها.

وأما خطورة الأسلمة: فتتمثل في اعتياد الناس على أشياء دخيلة الأصل أنها مرفوضة من الشرع لكن تسويقها على أن الشرع لم يعارضها يدس للناس السمَّ في العسل كما هو الحال في العلمنة.

وحتى تتضح الصورة نشير إلى أمثلة للأمرين، فمن أبرز مظاهر العلمنة الحاصلة اليوم:علمنة التدين حيث صار التدين المقبول عند الناس والذي لا يستهدفه الإعلام هو التدين المشوه الذي يجعل العبادات عادات ويعزل الإسلام عن الحياة ولايكون للمتدين دور فعال في من حوله بل يكون ساكنا خامدا راضيا بذلك.

ومن أمثلته أيضا:علمنة اللباس، وخصوصا لباس النساء حيث صار اللباس الشرعي سوقا للماركات والموضة وأصبحت الشركات تتنافس على إنتاج ملابس تكون في أحيان كثيرة مخالفة للضوابط الشرعية للباس المرأة، وهذا جعل المرأة تتعامل مع هذا النوع من اللباس باعتباره موضة أكثر من كونه امتثالا لأمر الشرع وسترا لها تؤجر عليه إن أخلصت نيته.

وأما الأسلمة فمن أبرز مظاهرها:أسلمة النسوية، فقد صارت بعض وسائل الإعلام تظهر لنا نساء ممن يغطين رؤوسهن ويقلن أن الإسلام لا يعارض النسوية(بمفهومها الغربي الصارخ) ويصلين بطريقة لم يقرّها الشرع ويحاولن قراءة القرآن غير عالمات بطريقة النطق الصحيحة للحروف العربية فضلا عن التجويد، وهذا قد لفت أنظار كثير من الناس وجعلهم يعجبون ويصدقون.

ومن أبرز مظاهر الأسلمة:أسلمة الشذوذ الجنسي، فصار يظهر لنا أنذال يلبس بعضهم اللباس العربي التقليدي ليوحي أنه متدين ويظهر في حفلات الفواحش مع العراة الشواذ، ويصرح بعد ذلك أن الإسلام لم يحرم الشذوذ الجنسي، وقد ظهر آخر قيل أنه إمام مسجد وأنه مدافع عن حقوق المسلمين الشواذ(عن حقهم في مخالفة الدين الذي يدَّعون الانتماء إليه).

هذه بعض الأمثلة عن العلمنة والأسلمة، وأما أبرز سبب لانتشارهما:هو فساد مصادر الوعي والثقافة، فعندما لا يود بعض الناس أن يتعبوا أنفسهم بقراءة صفحات من كتاب أو بمتابعة دقائق من برنامج مفيد فمن الطبيعي أن يكون مصدر الوعي الأساسي هو الإعلام المنحط وأن يستقوا ثقافتهم السطحية مما يقدمه من دراما وأفلام وعروض مشحونة إما بالترويج لمفاسد الأخلاق وسفاسفها وجعل المتابع يعتادها ولايرى غضاضة في وجودها، وإما بتشويه الدين والتدين وشيطنة الالتزام بحيث ينفر الناس من التدين أو يتدينون حسب هوى ميلشيات الغزو الفكري ومن ورائهم.

ولا أرى حسب علمي-والله أعلم-مخرجا من هيمنة هاتين الظاهرتين إلا بالثقافة والوعي، وذلك يقتضي تكاثفا وتوحدا من الطبقة المؤثرة في المجتمع لنشر الوعي، وهذا لا يتأتى إلا عندما تتخلص هذه الطبقة من الذين يروِّجون للفساد الأخلاقي والانحطاط الفكري من داخل الطبقة نفسها وما أكثرهم في هذا الزمن.

وحتى إن لم تتكاثف هذه الطبقة ضد الظاهرتين وغيرهما، ينبغي لكل صاحب فكر وحامل علم ومؤثر في من حوله أن يجتهد في مكافحة الظواهر الفاسدة حتى لا يأتي علينا يوم نبكي فيه دما لا دموعا على حالنا.

أسأل الله تعالى أن يعيننا على بيان دينه الحق، والوقوف في وجه الكفر وشياطينه.

والحمد لله في البدء والختام.

عزام بحر

حرر صباح الجمعة 28.ربيع الآخر.1443ه

الموافق 3.كانون الأول-ديسمبر.2021م


الأربعاء، 12 مايو 2021

فلسطين….تصحيح المفاهيم

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى الله على سيدنا محمد الذي سماه ربه بالمصطفى، وعلى آله وصحبه ومن للأثر اقتفى.
وبعد: فإن مما يميز شخصية المسلم المتبع لدينه: استقلايته المعرفية والثقافية وعدم اتباعه وتسليمه لما يلقى إليه من مفاهيم وتصورات،خصوصا في زمن الفوضى المعرفية وهيمنة الثقافة الغربية الحداثية، وهذا إنما هو امتثال لأمر الله-تعالى-حيث قال:((يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))، ولقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم:"لا يكن أحدكم إمعة"،(الإمعة: من يقلد غيره ويتبعه دون أن يكون له رأي)
ومن هذا المنطلق: فإن من أهم ما يجب أن يهتم به المسلم وتحديدا من يهتم لنفسه وأمته: ضبط المفاهيم وتصحيحها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه وأمته وواقعه، غير متأثر بالمكدرات من إعلام مضلل وأخطاء مفاهيمية شائعة وثقافة غربية حداثية وغير ذلك مما يشوش العقل المسلم.
وإن ما يسطره أهلنا في فلسطين المباركة من تضحيات وبطولات لهو من أهم ما يجب أن نقف عنده لنصحح به بعض ما تشوش من مفاهيم إسلامية تزيد من التزام المسلم وعمله بشريعة الله الخاتمة.
وإن من أهم ما تصححه البطولات في فلسطين: تقديم الغالي والنفيس في سبيل الحق، فلا يتصور من الذي يفقد عينه في المواجهات أن يكون مستعدا لتقديم عينه الأخرى في سبيل الأقصى إلا إن كان مؤمنا بحقه ومتشربا بالانتماء لوطنه ودينه، ولا يتصور ممن تعرض عليه الملايين مقابل بيع بيته أن يرفض ذلك إلا إن كان على يقين من حقه موقنا بوعد الله ونصره.
ومن أهم ما تصححه تضحيات أهلنا في فلسطين: مفهوم الثبات على الحق والجهاد في سبيله ابتغاء مرضات الله، فحجم الضغوط والإغراء للفلسطينيين مقابل التخلي عن القضية والوطن والمقدسات لا يخفى على أحد، والتخاذل العربي الإسلامي يزيد الأمر صعوبة، لكن أهل فلسطين كانوا ثابتين صامدين وما بدلوا تبديلا، وهذا مما يجب غرسه في أجيال الإسلام،خصوصا في زمن المصالح والبراغماتية وسيولة القيم.
ومن المفاهيم التي يصححها صمود أهلنا في فلسطين: مفهوم الشعب الواحد والأمة الواحدة، ذلك المفهوم الذي طالما حاول الغرب طمسه وضربه تصريحا أو تلميحا، فعندما كان مليشيات الصهيونية تقتحم الأقصى وتهدد أهل الشيخ جراح كان أهل الضفة والداخل المحتل يتوافدون على القدس أفواجا نصرة لهم، وكان الأبطال في غزة للصهاينة بالمرصاد، وكانت الأمة مع أهل فلسطين بالدعاء والتأييد.
ومما صححه أهل فلسطين من المفاهيم أيضا: الحمية وفيم تكون حميتنا، فقد رأيناهم يهبون ويدافعون عن الأقصى، وهذا لا شك أنه من تجليات الحمية الوطنية الدينية، وهذا مما يجب التوقف عنده والاتعاظ به في ظل حمية الجاهلية، حيث الحمية تكون لمطرب خليع ،وفريق كرة، ويوتيوبر تافه، ولعرق وقومية، وحتى لداعية متعصب، ولجماعة حركية، ولحزب سياسي، ولمذهب عقدي أو فقهي….إلى غير ذلك مما يثير حميتنا ويبعدها عن الحمية للإسلام والمقدسات.
ومما صححه أهل فلسطين من المفاهيم: مفهوم القوة وحقيقتها، فهم لا يملكون الطائرات والأسلحة المتطورة، لكنهم يصمدون لاعتصماهم واستمساكهم بالله-عز وجل-والتجائهم إليه، ثم تأتي القوة المادية اليسيرة التي يملكونا، والاعتصام بالله واللجوء إليه هو القوة الحقيقية التي يجب أن نستند إليها في زمن القوة المادية والانبهار بها.
وإن مما صححه أهلنا في فلسطين من المفاهيم: الغاية والهدف من الحياة، فشتان بين من كانت غايته رضا الله والشهادة في سبيل المقدسات، وبين من كانت غايته مجرد حياة تقليدية جامدة، أو من كانت غايته إشباع رغبات النفس وإتباعها هواها دون اعتبار العبودية لله-تعالى والآخرة.
عزيزي القارئ: إن بطولات أحرار فلسطين تستحق التوقف طويلا والتأمل، فلا تتوقف عند ما كتبته في هذه السطور، زد الأمر تأملا وتدبرا، حتى نعتبر ونوقظ أنفسنا من الهوان والخمول الذي أصابها، وحتى نعبد الله على بصيرة، وننصر الإسلام وندافع عن مقدساته، لعل الله يكتبنا من عباده الصابرين المرابطين المجاهدين في سبيله.
وفي الختام: ليس لي إلا أن أحيي المرابطين في الأقصى والمدافعين عنه وكل إخواننا في فلسطين الذين أثبتوا في الواقع قول الله-سبحانه:((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين))، وأسأل الله أن يوفقنا لنصرتهم ودعمهم وأن يجمعنا بهم على أبواب الأقصى فاتحين محررين، وفي الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والحمد لله أولا وآخرا.
عزام البشير بحر
الأربعاء 30/رمضان/1442ه
12/أيار-مايو/2021م
تاجوراء-ليبيا