الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

الغزو الفكري...بين العلمنة والأسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتم علينا نعمته، والصلاة والسلام على من أرسله المولى تعالى بكلامه، وعلى أصحابه الكرام وآله.

وبعد:فقد انتشرت اليوم ظاهرتان أساسيتان أو شكلان هامَّان من الغزو الفكري والثقافي في أمتنا الإسلامية ولابد من الحديث عنهما وهما:العلمنة والأسلمة.

أما المقصود بالعلمنة:فهو تفريغ المفاهيم والتصورات الإسلامية من مضمونها ومحتواها الصحيح الإسلامي وإبدال ذلك بالتصور الغربي(العلماني) لها.

وأما الأسلمة: فهي إضفاء شرعية ومسوِّغ إسلامي على تصورات وأعمال غير مقبولة شرعا وبعضها ينقض أصل الدين.

وسبب حديثي عن هاتين الظاهرتين هو كثرة التباسهما على الناس وعدم إدراكهم لخطورة الأمرين.

أما خطورة العلمنة: فهي تتمثل في ظن الناس أن ماهم عليه من الخير هو الإسلام كما يريده رب العالمين، في حين أن المضامين لمَّا بدلّت وصارت غربية هي في كثير من الأحيان لايقبلها الشرع ولم يأت بها.

وأما خطورة الأسلمة: فتتمثل في اعتياد الناس على أشياء دخيلة الأصل أنها مرفوضة من الشرع لكن تسويقها على أن الشرع لم يعارضها يدس للناس السمَّ في العسل كما هو الحال في العلمنة.

وحتى تتضح الصورة نشير إلى أمثلة للأمرين، فمن أبرز مظاهر العلمنة الحاصلة اليوم:علمنة التدين حيث صار التدين المقبول عند الناس والذي لا يستهدفه الإعلام هو التدين المشوه الذي يجعل العبادات عادات ويعزل الإسلام عن الحياة ولايكون للمتدين دور فعال في من حوله بل يكون ساكنا خامدا راضيا بذلك.

ومن أمثلته أيضا:علمنة اللباس، وخصوصا لباس النساء حيث صار اللباس الشرعي سوقا للماركات والموضة وأصبحت الشركات تتنافس على إنتاج ملابس تكون في أحيان كثيرة مخالفة للضوابط الشرعية للباس المرأة، وهذا جعل المرأة تتعامل مع هذا النوع من اللباس باعتباره موضة أكثر من كونه امتثالا لأمر الشرع وسترا لها تؤجر عليه إن أخلصت نيته.

وأما الأسلمة فمن أبرز مظاهرها:أسلمة النسوية، فقد صارت بعض وسائل الإعلام تظهر لنا نساء ممن يغطين رؤوسهن ويقلن أن الإسلام لا يعارض النسوية(بمفهومها الغربي الصارخ) ويصلين بطريقة لم يقرّها الشرع ويحاولن قراءة القرآن غير عالمات بطريقة النطق الصحيحة للحروف العربية فضلا عن التجويد، وهذا قد لفت أنظار كثير من الناس وجعلهم يعجبون ويصدقون.

ومن أبرز مظاهر الأسلمة:أسلمة الشذوذ الجنسي، فصار يظهر لنا أنذال يلبس بعضهم اللباس العربي التقليدي ليوحي أنه متدين ويظهر في حفلات الفواحش مع العراة الشواذ، ويصرح بعد ذلك أن الإسلام لم يحرم الشذوذ الجنسي، وقد ظهر آخر قيل أنه إمام مسجد وأنه مدافع عن حقوق المسلمين الشواذ(عن حقهم في مخالفة الدين الذي يدَّعون الانتماء إليه).

هذه بعض الأمثلة عن العلمنة والأسلمة، وأما أبرز سبب لانتشارهما:هو فساد مصادر الوعي والثقافة، فعندما لا يود بعض الناس أن يتعبوا أنفسهم بقراءة صفحات من كتاب أو بمتابعة دقائق من برنامج مفيد فمن الطبيعي أن يكون مصدر الوعي الأساسي هو الإعلام المنحط وأن يستقوا ثقافتهم السطحية مما يقدمه من دراما وأفلام وعروض مشحونة إما بالترويج لمفاسد الأخلاق وسفاسفها وجعل المتابع يعتادها ولايرى غضاضة في وجودها، وإما بتشويه الدين والتدين وشيطنة الالتزام بحيث ينفر الناس من التدين أو يتدينون حسب هوى ميلشيات الغزو الفكري ومن ورائهم.

ولا أرى حسب علمي-والله أعلم-مخرجا من هيمنة هاتين الظاهرتين إلا بالثقافة والوعي، وذلك يقتضي تكاثفا وتوحدا من الطبقة المؤثرة في المجتمع لنشر الوعي، وهذا لا يتأتى إلا عندما تتخلص هذه الطبقة من الذين يروِّجون للفساد الأخلاقي والانحطاط الفكري من داخل الطبقة نفسها وما أكثرهم في هذا الزمن.

وحتى إن لم تتكاثف هذه الطبقة ضد الظاهرتين وغيرهما، ينبغي لكل صاحب فكر وحامل علم ومؤثر في من حوله أن يجتهد في مكافحة الظواهر الفاسدة حتى لا يأتي علينا يوم نبكي فيه دما لا دموعا على حالنا.

أسأل الله تعالى أن يعيننا على بيان دينه الحق، والوقوف في وجه الكفر وشياطينه.

والحمد لله في البدء والختام.

عزام بحر

حرر صباح الجمعة 28.ربيع الآخر.1443ه

الموافق 3.كانون الأول-ديسمبر.2021م


الأربعاء، 12 مايو 2021

فلسطين….تصحيح المفاهيم

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى الله على سيدنا محمد الذي سماه ربه بالمصطفى، وعلى آله وصحبه ومن للأثر اقتفى.
وبعد: فإن مما يميز شخصية المسلم المتبع لدينه: استقلايته المعرفية والثقافية وعدم اتباعه وتسليمه لما يلقى إليه من مفاهيم وتصورات،خصوصا في زمن الفوضى المعرفية وهيمنة الثقافة الغربية الحداثية، وهذا إنما هو امتثال لأمر الله-تعالى-حيث قال:((يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))، ولقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم:"لا يكن أحدكم إمعة"،(الإمعة: من يقلد غيره ويتبعه دون أن يكون له رأي)
ومن هذا المنطلق: فإن من أهم ما يجب أن يهتم به المسلم وتحديدا من يهتم لنفسه وأمته: ضبط المفاهيم وتصحيحها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه وأمته وواقعه، غير متأثر بالمكدرات من إعلام مضلل وأخطاء مفاهيمية شائعة وثقافة غربية حداثية وغير ذلك مما يشوش العقل المسلم.
وإن ما يسطره أهلنا في فلسطين المباركة من تضحيات وبطولات لهو من أهم ما يجب أن نقف عنده لنصحح به بعض ما تشوش من مفاهيم إسلامية تزيد من التزام المسلم وعمله بشريعة الله الخاتمة.
وإن من أهم ما تصححه البطولات في فلسطين: تقديم الغالي والنفيس في سبيل الحق، فلا يتصور من الذي يفقد عينه في المواجهات أن يكون مستعدا لتقديم عينه الأخرى في سبيل الأقصى إلا إن كان مؤمنا بحقه ومتشربا بالانتماء لوطنه ودينه، ولا يتصور ممن تعرض عليه الملايين مقابل بيع بيته أن يرفض ذلك إلا إن كان على يقين من حقه موقنا بوعد الله ونصره.
ومن أهم ما تصححه تضحيات أهلنا في فلسطين: مفهوم الثبات على الحق والجهاد في سبيله ابتغاء مرضات الله، فحجم الضغوط والإغراء للفلسطينيين مقابل التخلي عن القضية والوطن والمقدسات لا يخفى على أحد، والتخاذل العربي الإسلامي يزيد الأمر صعوبة، لكن أهل فلسطين كانوا ثابتين صامدين وما بدلوا تبديلا، وهذا مما يجب غرسه في أجيال الإسلام،خصوصا في زمن المصالح والبراغماتية وسيولة القيم.
ومن المفاهيم التي يصححها صمود أهلنا في فلسطين: مفهوم الشعب الواحد والأمة الواحدة، ذلك المفهوم الذي طالما حاول الغرب طمسه وضربه تصريحا أو تلميحا، فعندما كان مليشيات الصهيونية تقتحم الأقصى وتهدد أهل الشيخ جراح كان أهل الضفة والداخل المحتل يتوافدون على القدس أفواجا نصرة لهم، وكان الأبطال في غزة للصهاينة بالمرصاد، وكانت الأمة مع أهل فلسطين بالدعاء والتأييد.
ومما صححه أهل فلسطين من المفاهيم أيضا: الحمية وفيم تكون حميتنا، فقد رأيناهم يهبون ويدافعون عن الأقصى، وهذا لا شك أنه من تجليات الحمية الوطنية الدينية، وهذا مما يجب التوقف عنده والاتعاظ به في ظل حمية الجاهلية، حيث الحمية تكون لمطرب خليع ،وفريق كرة، ويوتيوبر تافه، ولعرق وقومية، وحتى لداعية متعصب، ولجماعة حركية، ولحزب سياسي، ولمذهب عقدي أو فقهي….إلى غير ذلك مما يثير حميتنا ويبعدها عن الحمية للإسلام والمقدسات.
ومما صححه أهل فلسطين من المفاهيم: مفهوم القوة وحقيقتها، فهم لا يملكون الطائرات والأسلحة المتطورة، لكنهم يصمدون لاعتصماهم واستمساكهم بالله-عز وجل-والتجائهم إليه، ثم تأتي القوة المادية اليسيرة التي يملكونا، والاعتصام بالله واللجوء إليه هو القوة الحقيقية التي يجب أن نستند إليها في زمن القوة المادية والانبهار بها.
وإن مما صححه أهلنا في فلسطين من المفاهيم: الغاية والهدف من الحياة، فشتان بين من كانت غايته رضا الله والشهادة في سبيل المقدسات، وبين من كانت غايته مجرد حياة تقليدية جامدة، أو من كانت غايته إشباع رغبات النفس وإتباعها هواها دون اعتبار العبودية لله-تعالى والآخرة.
عزيزي القارئ: إن بطولات أحرار فلسطين تستحق التوقف طويلا والتأمل، فلا تتوقف عند ما كتبته في هذه السطور، زد الأمر تأملا وتدبرا، حتى نعتبر ونوقظ أنفسنا من الهوان والخمول الذي أصابها، وحتى نعبد الله على بصيرة، وننصر الإسلام وندافع عن مقدساته، لعل الله يكتبنا من عباده الصابرين المرابطين المجاهدين في سبيله.
وفي الختام: ليس لي إلا أن أحيي المرابطين في الأقصى والمدافعين عنه وكل إخواننا في فلسطين الذين أثبتوا في الواقع قول الله-سبحانه:((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين))، وأسأل الله أن يوفقنا لنصرتهم ودعمهم وأن يجمعنا بهم على أبواب الأقصى فاتحين محررين، وفي الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والحمد لله أولا وآخرا.
عزام البشير بحر
الأربعاء 30/رمضان/1442ه
12/أيار-مايو/2021م
تاجوراء-ليبيا